responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 382
فِي كِتَابِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «الْكَلْبُ خَبِيثٌ، وَخَبِيثٌ ثَمَنُهُ»
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ثَمَنَهُ خَبِيثٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَأَيْضًا الْخَمْرُ مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا رِجْسٌ بدليل قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إِلَى قَوْلِهِ: رِجْسٌ [الْمَائِدَةِ: 90] وَالرِّجْسُ خَبِيثٌ بِدَلِيلِ إِطْبَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَيْهِ، وَالْخَبِيثُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.
الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ (آصَارَهُمْ) عَلَى الْجَمْعِ، وَالْبَاقُونَ إِصْرَهُمْ عَلَى الْوَاحِدِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْإِصْرُ مَصْدَرٌ يَقَعُ عَلَى الْكَثْرَةِ مَعَ إِفْرَادِ لَفْظِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِضَافَتُهُ، وَهُوَ مُفْرَدٌ إِلَى الْكَثْرَةِ، كَمَا قَالَ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ [الْبَقَرَةِ: 20] وَمَنْ جَمَعَ، أَرَادَ ضُرُوبًا مِنَ الْعُهُودِ مُخْتَلِفَةً، وَالْمَصَادِرُ قَدْ تُجْمَعُ إِذَا اخْتَلَفَتْ ضُرُوبُهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الْأَحْزَابِ: 10] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِصْرُ الثِّقَلُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ، أَيْ يَحْبِسُهُ مِنَ الْحَرَاكِ لِثِقَلِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: أَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ شَدِيدَةً. وَقَوْلُهُ: وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الْمُرَادُ مِنْهُ: الشَّدَائِدُ الَّتِي كَانَتْ فِي عِبَادَاتِهِمْ كَقَطْعِ أَثَرِ الْبَوْلِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ فِي التَّوْبَةِ، وَقَطْعِ الأعضاء الخاطئة، وتتبع العروف مِنَ اللَّحْمِ وَجَعَلَهَا اللَّه أَغْلَالًا، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَمْنَعُ مِنَ الْفِعْلِ، كَمَا أَنَّ الْغِلَّ يَمْنَعُ عَنِ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا قَامَتْ إِلَى الصَّلَاةِ لَبِسُوا الْمُسُوحَ، وَغَلُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ تَوَاضُعًا للَّه تَعَالَى، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَغْلَالُ غَيْرُ مُسْتَعَارَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأصل في المضار أَنْ لَا تَكُونَ مَشْرُوعَةً، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ ضَرَرًا كَانَ إِصْرًا وَغِلًّا، وَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَهَذَا نَظِيرٌ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فِي الْإِسْلَامِ،
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ»
وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ التِّسْعِ. قَالَ بَعْدَهُ: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ وَعَزَّرُوهُ يَعْنِي وَقَّرُوهُ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَصْلُ التَّعْزِيرِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ وَهُوَ الضَّرْبُ، دُونَ الْحَدِّ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْقَبِيحِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَنَصَرُوهُ أَيْ عَلَى عَدُوِّهِ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وَهُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ الْهُدَى وَالْبَيَانُ وَالرِّسَالَةُ. وَقِيلَ الْحَقُّ الَّذِي بَيَانُهُ فِي الْقُلُوبِ كَبَيَانِ النُّورِ.
فَإِنْ قيل: كيف يمكن حمل النور هاهنا عَلَى الْقُرْآنِ؟ وَالْقُرْآنُ مَا أُنْزِلَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ مَعَ جِبْرِيلَ.
قُلْنَا: مَعْنَاهُ إِنَّهُ أُنْزِلَ مَعَ نُبُوَّتِهِ لِأَنَّ نُبُوَّتَهُ ظَهَرَتْ مَعَ ظُهُورِ الْقُرْآنِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَالَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ هم الفائزون بالمطلوب في الدنيا والآخرة.

[سورة الأعراف (7) : آية 158]
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 382
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست